الخلاصة في علوم البلاغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله رب العالمين ، والصلاةُ والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإنَّ البلاغةَ- كما هو معلوم – مطابقةُ الكلام لمقتضى الحقيقة ، وهي لبُّ العربية ، وقد وُضعتْ لخدمة القرآن الكريم وكلام النبي صلى الله عليه وسلم خاصةً، ولخدمة علوم العربية عامةً .
وهذا الكتابُ عبارةٌ عن خلاصةٍ لعلوم البلاغة العربية ، لخَّصتها وهذبتْها من كتب البلاغةِ المعتمدة مباشرة
وكتبُ البلاغةِ- وخاصة المعاصرةَ – منها (على أهميتِها) لا تخلو من الملاحظاتِ التالية:
قد ذُكرتْ كثيراً من الآيات القرآنيةِ دون النصِّ على أنها آيةٌ ، وبدونِ تشكيلٍ
وكذلك الأحاديثُ النبوية ، بل نُسبت بعض الأحاديث المختلقة للرسول صلى الله عليه وسلم مثل 🙁 الدينُ المعاملة ُ)(1).
وكذلك كثيرٌ من الأبياتِ الشعرية إمَّا فيه تحريفٌ في النصِّ أو عدمِ العزو لقائلهِ أو عدمِ تشكيلهِ ، أو الاقتصارِ على جزءٍ من البيتِ .
كثرةُ الأخطاء المطبعيةِ في الكتب التي وضعت على النت ….
والجديدُ في هذا المختصر :
فيه لب ُّ البلاغة العربية من بيان ومعاني وبديع ، أكثر من كتاب البلاغة الواضحة بكثير
الابتعادُ عن الاستطراد والحشوِ
تدقيقُ جميع الشواهد ، فالآية ُالقرآنية ُرجعت فيها للقرآنِ الكريم وعزوتُها لمكانها من القرآن الكريم ، والحديثُ الشريفٌ رجعتُ فيه لكتب الحديث لضبطهِ والتأكدِ من صحته ، والذي ليس بحديثٍ ميزتهُ عن الحديث ، وقمتُ بتدقيقِ الشواهدَ الشعريةِ كاملةً ، وذلك بالرجوع لمصادرها ، وعزو المعروفِ منها لصاحبهِ ، وكذلك فعلتُ في الأمثال .
الإتيانُ بالشواهد كاملةً قدرَ الإمكان ، ليعرفَ المعنى العام للشاهد وخاصةً القرآن الكريم
تشكيلُ ما يحتاجُ لتشكيل ٍ ، مع تشكيلِ كافة الآياتِ القرآنية والأحاديثِ النبويةِ .
وضعُ أسئلةٍ بنهايةِ كلِّ بحث عنه .
هذا وقد قسمته إلى أربعة أبواب وخاتمة :
البابُ الأول -المدخلُ إلى علم البلاغة
الباب الثاني – علم المعاني
البابُ الثالث – علمُ البيانِ
الباب الرابع – علم البديع
خاتمةٌ – في السَّرقاتِ الشعرية وما يتبعها
وتحت كلِّ باب منها أبحاث عديدة
وهذا الكتاب يتضمن المقررُ في المدارس الشرعية وكثير من الجامعات العربية وغيرها، وسوفُ يجدونه بإذن الله تعالى سهلاً ممتعا.
لذا أرجو من الله تعالى أن ينفعَ به كاتبه ، وقارئهُ وناشرهُ في الدارين .
قال تعالى على لسان النبي شعيب عليه السلام : { إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) [هود/88]}
البابُ الأولُ
المدخلُ إلى علم البلاغة
*-علمُ البلاغةِ :
إنَّ الأساس الذي بنيتْ عليه البلاغةُ هو أولاً دراسة القرآن الكريم في التعبير ،ومقابلتِها بأساليب البلغاءِ وكذلك السُّنة النبوية ثانيا لتوضيح كلامِ أبلغِ الخلق صلى الله عليه وسلم ، ثم انتقلتْ للكلام عن بلاغة الشِّعر خاصةً والنثر ِعامةً في كلام العربِ الأقحاحِ (2).
*-أساسُ علم البلاغة :
يقومُ علم البلاغة على أساسين هما :
– الذوقُ الفطريُّ الذي هو المرجعُ الأول في الحكم على الفنون الأدبية ، فيجدُ القارئُ أو السامع في بعض الأساليب من جرسِ الكلمات وحلاوتها ، والتئام التراكيب وحسنِ رصفها – وقوةِ المعاني وسموِّ الخيالِ ما لايجدُ في بعضها الآخر ، فيفضلُ الأولى على الثانية .
– البصيرةُ النفَّاذةُ ، والعقلُ القادر على المفاضلة والموازنة والتعليلِ ،وصحةِ المقدمات ، لتبنَى عليها أحكامٌ يطمئنُ العقل إلى جدارتِها ، ويسلِّمُ بصحَّتِها
*-نشأة ُعلمِ البلاغة :
هناكُ اختلافٌ كبير في هذا الصدد؛ فمنهم من يقولُ: واضعُ علم البلاغة هو الجاحظُ وخاصة في كتابه القيِّمِ البيانُ والتبيينُ ، وقيل: هو الجرجاني المتوفى 471هـ بكتابيه دلائل الإعجازِ وأساس البلاغة
وقيل: هو ابن المعتزِّ المتوفى 296هـ بكتابه البديع ، وقيل: السكاكيُّ بكتابه المفتاح …
*-الغايةُ منَ البلاغة:
تأديةُ المعنى الجميل واضحاً بعبارةٍ صحيحة فصيحة ٍ،لها في النفس أثرٌ ساحر ٌ،مع ملائمة كلِّ كلامٍ للموطنِ الذي يقال فيه ، والأشخاصُ الذين يُخاطَبون .
*-عناصرُ البلاغةِ :
هي لفظٌ ومعنًى ، وتأليفٌ للألفاظ يمنحُها قوةً وتأثيراً وحسناً ، ثم دقةٌ في اختيار الكلمات والأساليب على حسب مواطن الكلام ومواقعه ،و موضوعاته ،وحال السامعين ، والنزعةِ النفسية التي تتملكهم ،و تسيطرُ على نفوسهم .
*-الهدفُ من دراسة البلاغة :
هدفٌ دينيٌّ ؛ يتمثل في تذوق بلاغةِ القرآن الكريم والوقوف على أسرارِ ها، وتذوقِ بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم واقتفاءِ أثره فيها.
هدفٌ نقديٌّ أو بلاغيٌّ ؛ يتمثلُ في التمييز بين الجيد والرديء من كلام العرب شعراً ونثراً .
هدفٌ أدبيٌّ ؛ يتمثل في التدريب على صناعةِ الأدب،وتأليف الجيد من الشعر والنثر
*-أقسامُ علمِ البلاغةِ :
ينقسمُ علمُ البلاغة إلى ثلاثة أقسامٍ :
علمُ المعاني : وهو علمٌ يعرَفُ به أحوال اللفظ العربيِّ التي بها يطابقُ مقتضَى الحال
علمُ البيان : وهو علمٌ يعرَف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ٍفي وضوحِ الدلالة عليه
علمُ البديع : وهو علمٌ يعرَف به وجوه تحسين الكلام، بعد رعايةِ تطبيقه على مقتضَى الحال ووضوحِ الدلالة .
__________
(1) – “لا أصل له” قاله الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (5/11)
(2) – يعني :الأصلاء
**************
الفصلُ الأولُ- الفصاحةُ
*-تعريفُها: لغةً :البيانُ والظهورُ ،قال الله تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي …} (34) سورة القصص، أي أبينُ منِّي منطقاً وأظهرُ منَّي قولاً(1).
والفصاحةُ في اصطلاحِ أهل المعاني: عبارةٌ عن الألفاظِ البيِّنةِ الظاهرةِ, المتبادرةِ إلى الفهم, والمأنوسةِ الاستعمال بين الكتَّابِ والشّعراء لمكانِ حُسنها.
فالفصاحةُ تشملُ الكلمةَ ، والكلامَ ، والمتكلِّمَ ، فيقالُ : كلمةٌ فصيحةٌ ، وكلامٌ فصيحٌ ، ومتكلمٌ فصيحٌ .
*- فصاحةُ الكلمة ِ:
تكون الكلمةُ فصيحةً إذا كانت مألوفة َالاستعمال بين النابهينَ من الكتَّابِ والشعراء، لأنها لم تتداولْها ألسنتهُم ولم تجرِ بها أقلامُهم إلا لمكانتِها من الحُسن باستكمالها عناصر َالجودةِ ، وصفاتِ الجمالِ .
*-شروطُ فصاحةِ الكلمة :
يجبُ أن تكون الكلمةُ سالمةً من عيوبٍ ثلاثة ٍ:
تنافرُ الحروفِ
الغرابة ُ
مخالفةُ الوضعِ
*- تنافرُ الحروفِ :
فهو ثقلُ الكلمة عند وقعِها على السمعِ وصعوبةُ أدائها باللسانِ ، نحو كالظشِّ (للموضع الخشن)(2) ونحو: سَلِجَ ( سَلِجَ اللُقْمة بالكسر، يَسْلَجُها سَلْجَاً وسَلَجاناً، أي بَلِعها)(3) ،و كالنقنقة « لصوتِ الضفادعِ»(4) ونحو: مستشزراتٌ « بمعنى مرتفعاتٍ»(5) من قول امرئ القيس يصف شَعر ابنة عمه:
غَدائِرُه مُسْتَشْزَرَاتٌ إِلى العُلاَ … تَضِلُّ العِقَاصُ في مُثَنىً ومُرْسَلِ
فقد وَصَفها بكَثْرة الشَّعرِ والْتِفَافِه
*-الغرابةُ :
هي كونُ الكلمة غيرَ ظاهرةِ الدلالة على المعنى الموضوعِ له ، وذلك لسببين :
أحدهُما أنَّ الكلمة غيرُ متداولةٍ في لغة العربِ ، فيحتاجُ لمعرفةِ معناها الرجوعُ إلى المعاجم والقواميس
مثالُ ذلك قولُ عيسى بن عمرو النَّحوي وقد سقطَ عن دابته فالتفَّ حوله الناسُ فقال :
ما لَكُمْ تَكَأْكَأْتُم عليَّ تكَأْكُؤَكُم على ذِي جِنَّةٍ ؟ افْرَنْقِعُوا عنّي
فكلمة ُ(تكاكأتم ) وكلمة (افرنقعوا) غريبتان ، أي مالكم اجتَمَعْتم تنَحُّوا عنِّي (6)
والثاني -عدمُ تداول الكلمة في لغة العربِ الشائعة ، «كمسّرج» من قول رؤبة بن العجاج:
ومقلةً وحاجباً مزججا وفاحِماً ومَرْسِناً مُسَرَّجَا(7)
فلا يعلمُ ما أرادَ بقوله « مسرَّجا» حتى اختلف أئمة اللغة في تخريجه.
*- مخالفة ُالوضعِ :
هو كونُ الكلمة ِ مخالفةً لما ثبتَ معناهُ عند علماء اللغة مثل (الأجلل) في قول أبي النجم (8):
الحَمْدُ لِلّهِ العَلِيُّ الأَجْلَلِ الواحد الفرد القديم الأوَّل
فإن القياس (الأجلِّ) بالإدغام، و لا مسوّغ لفكّه ،فهو يريدُ الأَجَلّ وأظْهَر التضعيف ضَرورةً (9)
================
فصاحةُ الكلامِ(10)
تكونُ فصاحةُ الكلامِ بسلامتهِ من عيوبٍ ثلاثة ٍهي :
تنافرُ الكلماتِ
ضَعفُ التأليفِ
التعقيدُ
الأولُ – « تنافُر الكلمات» :
فلا يكونُ اتصالُ بعضها ببعض مما يسببُ ثقلها على السمعِ ، وصعوبةَ أدائها باللسان ، (وإن كانَ كلُّ جزءٍ منها على انفراده فصيحاً) كالشطرِ الثاني في قول الشاعر:
وَقبرُ حربٍ بمكانٍ قفرٍ وَليس قَربَ قبرِ حربٍ قبرُ (11)
و كالشطرِ الأولِ في قول أبي تمَّام:
__________
(1) – انظر الوسيط لسيد طنطاوي – (ج 1 / ص 3264)
(2) تاج العروس – (ج 1 / ص 4294)
(3) – . وقولهم: الأكل سَلَجانٌ والقضاء لَيَّانُ أي إذا أَخَذَ الرجلُ الدَيْنَ أكله، فإذا أراد صاحب الدين حقَّه لواه به. والسُلَّجُ، بالضم والتشديد: نبتٌ ترعاه الإبل. وقد سَلَجَتِ الإبل بالفتح تَسْلُجُ بالضم، إذا اسْتَطْلَقَتْ بطونُها عن أكل السُلَّجِ.الصحاح في اللغة – (ج 1 / ص 324)
(4) – ( نقق ) نَقَّ الظَّليمُ والدجاجةُ والحَجَلةُ والرَّخَمةُ والضَّفادع والعقرب تَنِقُّ نَقيقاً ونَقْنَقَ صوَّت لسان العرب – (ج 10 / ص 360)
(5) – فلفظة ” مستشزرات ” مما يقبح استعمالها لأنها تثقل على اللسان ويشق النطق بها، وإن لم تكن طويلة لأنا لو قلنا ” مستنكرات ” أو ” مستنفرات ” على وزن ” مستشزرات ” لما كان في هاتين اللفظتين من ثقل ولا كراهة.المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر – (ج 1 / ص 66)
(6) – تاج العروس – (ج 1 / ص 197) ولسان العرب – (ج 1 / ص 136) والإيضاح في علوم البلاغة – (ج 1 / ص 1)
(7) – صبح الأعشى – (ج 1 / ص 271) وجمهرة اللغة – (ج 1 / ص 224) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص – (ج 1 / ص 5) ومسرجاً: مختلفٌ في تخريجه، فقيل: من سرجه تسريجاً يهجه وحسنه، وقيل: من قولهم سيوف سريجية منسوبة إلى قين يقال له سريج، شبه بها الأنف في الدقة والاستواء، وقيل: من السراج وهو قريب من قولهم سرِج وجهه، بكسر الراء، أي حَسُنَ. والزَّجَجُ: دقة الحاجبين.
والمعنى: أن لهذه المرأة الموصوفة مقلة سوداء، وحاجباً مدققاً مقوسلاً، وشعراً أسودا، وأنفاً كالسيف السريجي في دقته واستوائه، أو كالسراج في بريقه وضيائه.
(8) – خزانة الأدب – (ج 1 / ص 287) وصبح الأعشى – (ج 1 / ص 288) وصبح الأعشى – (ج 1 / ص 288) والإيضاح في علوم البلاغة – (ج 1 / ص 1) والصحاح في اللغة – (ج 1 / ص 98) والخصائص – (ج 1 / ص 205)
(9) – الإيضاح في علوم البلاغة – (ج 1 / ص 1)وتاج العروس – (ج 1 / ص 6943) ولسان العرب – (ج 11 / ص 116)
(10) – انظر الإيضاح في علوم البلاغة – (ج 1 / ص 1-2) و كتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى – (ج 1 / ص 350)
(11) – محاضرات الأدباء – (ج 2 / ص 104) وسر الفصاحة – (ج 1 / ص 33) والمثل السائر في أدب الكاتب والشاعر – (ج 1 / ص 105)والبيان والتبيين – (ج 1 / ص 20) والإيضاح في علوم البلاغة – (ج 1 / ص 1)
كَرِيمٌ مَتّى أمْدَحْهُ أمْدَحْهُ والوَرَى … مَعِي وَإذَا مَا لمتهُ لمُتهُ وَحدِي (1)
فإنَّ في قوله أمدحُه ثقلاً ما لما بين َالحاء والهاء من تنافرٍ.
الثاني – « ضعفُ التأليفِ» :
هو خروجُ الكلام عن قواعدِ اللغة المطَّردة المشهورةِ ،كأن يكونَ الكلامُ جارياً على خلافِ ما اشُتهرَمن قوانينِ النحو المعتبرةِ عند جُمهور العلماء – كوصلِ الضميرين، وتقديمِ غير الأعرافِ منهما على الأعراف- مع أنه يجبُ الفصلُ في تلك الحالةِ – كقولِ الشاعر:
جَزَى بَنُوهُ أبا الْغيْلانِ عنْ كِبَرٍ * وَحُسْنِ فِعْلٍ كَما يُجْزَى سِنِّمارُ (2)
والعيبُ أعاد الضمير في بنوه على أبي غيلانَ وهو متأخرٌ لفظاً ورتبة ،لأنه مفعولٌ به ،ورتبتهُ التأخيرُ
وكقول حسانِ بن ثابتٍ رضي الله عنه :
وَلَوْ أَنَّ مَجداً أَخلَدَ الدَّهْرَ واحِداً … مِنَ النَّاسِ، أَبقى مَجْدُهُ الدَّهرَ مُطْعِما(3)
والعيبُ فيه أنَّ الشاعر أعاد الضميرَ في مجده على مطعِم، وهو متأخرٌ لفظاً ورتبةً، لأنه مفعولٌ به ،ورتبته التأخيرُ
الثالث – التعقيدُ : وهو نوعانِ : التعقيدُ اللفظيُّ ، والتعقيدُ المعنويُّ
*-التعقيدُ اللفظيُّ :
هو أن ْ يكون الكلامُ خفيَّ الدّلالة على المعنى المراد به – بحيث تكونُ الألفاظُ غيرَ مُرتبةٍ على وفق ترتيبِ المعاني.
وينشأُ ذلك التّعقيدُ من تقديمٍ أو تأخيرٍ أو فصلٍ بأجنبيٍّ بين الكلماتِ التي يجبُ أن تتجاورَ ويتصلَ بعضُها ببعض كقولِ المتنبي :
جفَخَتْ وهُم لا يجْفَخون بهابِهم … شيَمٌ على الحسَب الأغرِّ دلائلُ (4)
أصل – جفخت (افتخرت) بهم شيمَ دلائل على الحسب الأغرِّ هم لا يجفخون بها.
ومثل : (ما قرأ إلا واحداً محمدٌ مع كتاباً أخيه ) كان هذا الكلام ُغيرَ فصيح، لأن فيه تعقيداً لفظيًّا ، ولكن التعبيرَ الفصيحَ هو ( ما قرأ محمدٌ مع أخيهِ إلا كتاباً واحداً).
*-التعقيدُ المعنويُّ:
أن يكون الكلامُ خفيَّ الدَّلالة على المعنى المرادِ – بحيث لا يفْهم معناه إلاّ بعدَ عناءٍ وتفكيرٍ طويلٍ.
مثال ذلك قول امرئ القيس :
وأَرْكَبُ في الرَّوْعِ خَيْفَانَةً … كَسَا وَجْهَهَا سَعَفٌ مُنْتَشِرْ (5)
الخيفانةُ الجرادةُ ، وكنَّى هنا عن الفرسِ الخفيفةِ ، والسعفُ المنتشرُ الشَّعرُ يكسو وجهَها فقبيحٌ
وكما في قول عبّاس بن الأحنَف:
سَأطلُبُ بُعدَ الدَّارِ عَنْكم لِتقْرُبوا … وَتَسْكُبُ عَيْنايَ الدُّموعَ لِتَجْمُدَا (6)
جعلَ سكبَ الدُموع كنايةً عمّا يلزمُ في فراقِ الأحبَّة من الحُزن والكمد، فأحسنَ وأصابَ في ذلك، ولكنَّه أخطأ في جعل جمودِ العينِ كنايةً عمَّا يوجبُه التَّلاقي من الفرحِ والسُرُور بقُرب أحبتّهِ، وهو خفىٌّ وبعيدٌ – إذ لم يعرفْ في كلام العربِ عند الدُّعاءِ لشخصٍ بالسرور (أنْ يقالَ له: جُمدتْ عينُك) أو لا زالتْ عينُك جامدةً، بل المعروفُ عندهم أنَّ جمودَ العين إنّما يكنَّى به عن عدمِ البكاءِ حالةَ الحزن، كما في قول الخنساء:
أَعَينَيَّ جُودَا ولا تَجْمُدا … ألا تَبْكِيانِ لِصَخْرِ النَّدَى (7)
==================
فصاحةُ المتكلَِّمِ(8)
عبارةٌ عنِ المَلكةِ التي يقتدرُ بها صاحبُها على التعبيرِ عن المقصودِ بكلامٍ فصيح، في أيِّ غرضٍ كانَ.
فيكونُ قادراً – بصفةِ الفصاحةِ الثابتةِ في نفسه -على صياغةِ الكلام، مُتمكّناً منَ التّصرفِ في ضُروبه ،بصيراً بالخوض في جهاتهِ ومَنَاحِيهِ.
00000000000000000
الأسئلةُ :
عرف الفصاحةَ لغةً واصطلاحا؟
بين ماذا تشمل الفصاحة ؟
متى تكون الكلمةُ فصيحةً ؟
عدد شروطَ فصاحةِ الكلمة وهاتِ مثالا على كل منها ؟
متى يكون الكلام فصيحا ؟..
__________
(1) – الوساطة بين المتنبي وخصومه – (ج 1 / ص 19) والعمدة في محاسن الشعر وآدابه – (ج 1 / ص 202)وزهر الآداب وثمر الألباب – (ج 1 / ص 363) وسر الفصاحة – (ج 1 / ص 35)والإيضاح في علوم البلاغة – (ج 1 / ص 1)
(2) – زهر الأكم في الأمثال و الحكم – (ج 1 / ص 164) وصبح الأعشى – (ج 1 / ص 291) والأغاني – (ج 1 / ص 158) وتاج العروس – (ج 1 / ص 2973) وجامع الدروس العربية للغلايينى – (ج 1 / ص 149)
(3) – مغني اللبيب عن كتب الأعاريب – (ج 1 / ص 185) وجامع الدروس العربية للغلايينى – (ج 1 / ص 149) وشرح ابن عقيل – (ج 1 / ص 496) المعنى: يريد أنه لا بقاء لأحد في هذه الحياة مهما يكن نافعا لمجموع البشر.
(4) – الوساطة بين المتنبي وخصومه – (ج 1 / ص 26) والمثل السائر في أدب الكاتب والشاعر – (ج 1 / ص 58) و صبح الأعشى – (ج 1 / ص 275)
فإن لفظة جفخ مرة الطعم، وإذا مرت على السمع اقشعر منها، وكان له مندوحة عن استعمالها، فإن جفخت بمعنى فخرت وهما في وزن واحد، فلو أتى بلفظ فخرت ويفخرون مكان جفخت ويجفخون لا ستقام وزن البيت وحظي في استعماله بالأحسن، فهو في ذلك كتأبط شراً في لفظة جحيش في توجه الملامة عليه من وجيهن.
(5) – شرح أدب الكاتب – (ج 1 / ص 80) والوساطة بين المتنبي وخصومه – (ج 1 / ص 3)
و سر الفصاحة – (ج 1 / ص 90) ونهاية الأرب في فنون الأدب – (ج 3 / ص 75)
وتراجم شعراء موقع أدب – (ج 10 / ص 407) وتاج العروس – (ج 1 / ص 5845) ولسان العرب – (ج 9 / ص 101)
(6) – تزيين الأسواق في أخبار العشاق – (ج 1 / ص 168) وصبح الأعشى – (ج 1 / ص 292) والإيضاح في علوم البلاغة – (ج 1 / ص 2) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص – (ج 1 / ص 18) ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص – (ج 1 / ص 19)
(7) – الحماسة البصرية – (ج 1 / ص 91) والكامل في اللغة والادب – (ج 1 / ص 314) والأغاني – (ج 4 / ص 154) وتراجم شعراء موقع أدب – (ج 3 / ص 438)
(8) – انظر الإيضاح في علوم البلاغة – (ج 1 / ص 3) وكتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى – (ج 1 / ص 351)
التعقيدُ نوعان اذكرهما وهاتِ مثالا على كل نوع ؟
الفصل الثاني – البلاغةُ
البلاغةُ في اللغة (الوُصولُ والانتهاءُ)، يقالُ بلغَ فلانٌ مرادَه – إذا وصلَ إليه، وبلغَ الركبُ المدينةَ – إذا انتهى إليها، وَمبلغُ الشيء منتهاهُ .
وتقعُ البلاغةُ في الاصطلاحِ وصفاً للكلامِ، والمتكلّمِ فقط، ولا توصفُ «الكلمةُ» بالبلاغةِ، لقصورها عن الوصول بالمُتكلَّمِ إلى غرضهِ، ولعدمِ السَّماع بذلك.
*-بلاغةُ الكلامِ (1):
البلاغةُ في الكلامِ: مطابقتُه لما يقتضيه حالُ الخطاب- مع فصاحةِ ألفاظهِ «مفردِها ومركَّبِها».
والكلامُ البليغُ: هو الذي يُصورِّهُ المتُكلِّمُ بصورةٍ تناسبُ أحوالَ المخاطبين.
وحالُ الخطابِ « ويسمَّى بالمقامِ» هو الأمرُ الحاملُ للمتكلِّم على أن يُوردَ عبارتَه على صورةٍ مخصوصةٍ دون أخرى.
والمُقتضَى – « ويسمَّى الاعتبارُ المُناسبُ» هو الصورةُ المخصوصةُ التي تُورَدُ عليها العبارةُ.
مثلاً – المدح ُ- حالٌ يدعو لإيرادِ العبارة على صورةِ الإطناب ،وذكاءُ المخاطب – حال ٌيدعو لإيرادها على صورةِ الإيجاز، فكلٌّ من المدحِ والذكاءِ « حالٌ ومقامٌ» وكلٌّ من الإطناب والإيجاز «مُقتضَى»، وإيراد الكلام على صورة الإطناب أو الإيجاز « مُطابقة للمقُتضَى» وليست البلاغة إذاً مُنحصرة في إيجاد معانٍ جليلة، ولا في اختيار ألفاظٍ واضحة جزيلةٍ، بل هي تتناولُ مع هذين الأمرين أمراً ثالثاً (هو إيجادُ أساليبَ مُناسبةٍ للتأليف بين تلك المعاني والألفاظ) مما يُكسبها قوَّةً وجمالاً .
وملخَّصُ القول – إنَّ الأمرَ الذي يَحملُ المُتكلّم على إيراد كلامهِ في صورةٍ دون أخرى: يُسمَّى «حالاً» وإلقاءُ الكلام على هذه الصُّورةِ التي اقتضاها الحال يُسمَّى « مُقتضَى» والبلاغةُ: هي مُطابقةُ الكلامِ الفصيحِ لما يقتضيهِ الحالُ.
*-بلاغةُ المتكلِّم(2):
هي مَلَكة في النَّفس يقتَدرُ بِهَا صاحبها على تأليف كلام بليغ: مُطابق لمقتَضَى الحال، مع فصاحتهِ في أيِّ معنًى قَصَده، وتلك غايةٌ لن يَصِل إليها إلاَّ من أحاطَ بأساليبَ العربِ خُبراً، وعرف سُننَ تخاطُبهِم في مُنافراتهِم، ومفاخراتهِم، ومديحهِم، وَهجائهِم وَشكرهِم، واعتذارهِم، لِيلَبسَ لكلِّ حالةٍ لبُوسُها «ولكلِّ مقامٍ مَقالٌ».
000000000000000000000
الأسئلةُ :
عرف البلاغةَ لغةً واصطلاحاً
وضِّح معنى بلاغةِ الكلامِ
ما معنى بلاغةِ المتكلِّمِ ؟
*************
الفصلُ الثالث- الأسلوبُ
*-مفهومُ الأسلوبِ:
هو المعنى المَصُوغُ في ألفاظٍ مؤلَّفةٍ على صورةٍ تكون أقربَ لنيل الغرضِ المقصود من الكلامِ، وأفعلَ في نفوسِ سامعيهِ.
*-أنواعُ الأسلوبِ(3):ينقسمُ الأسلوبُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ :أسلوبٌ علميٌّ وأسلوبٌ أدبيٌّ وأسلوبٌ خطابيٌّ
*-الأسلوبُ العلميُّ:
وهو أهدَأُ الأساليبِ، وأكثرُها احتياجاً إلى المنطقِ السَّليمِ، والفكرِ المُستقيم، وأبعدُها عن الخيال الشِّعْرِي; لأنه يخاطبُ العقلَ، ويُناجي الفكرَ، ويَشْرَحُ الحقائق العلميَّةَ التي لا تخلو من غموضٍ وخفاءٍ.
و أظهَرُ ميزاتِ هذا الأسلوبِ «الوُضُوحُ»، فيجبُ أن يُعنَى فيه باختيارِ الألفاظِ الواضحةِ الصريحةِ في معناها ،الخاليةِ من الاشتراكِ، وأنْ تُؤَلَّفَ هذه الألفاظُ في سُهولةٍ وجلاءِ، حتى تكون ثَوباً شفَّافاً للمعنَى المقصودِ.
أهمُّ مميزاتِ الأسلوبِ العلميِّ :
هدفُه إظهارُ الحقائقَ وكشفِها للسامعِ أو القارئِ
يمتازُ بالوضوحِ والدقةِ والتحديد، والترتيبِ المنطقيِّ
يمتازُ باستخدام الأدلةِ والبراهينَ، والبعدِ عن المبالغة ِ
يمتازُ بالابتعادِ عن الخيالِ والعاطفة
تتخللُه مصطلحاتٌ علميةٌ متصلةٌ بالموضوع الذي يتناولهُ
*-مثالُ الأسلوبِ العلميِّ :
وصفُ البركةِ في القصر :
« وفي فناءِ القصر بركةٌ كبيرة ، يزيدُ اتساعها عن مائة متر طولاً في مثلِها عرضاً، وحولَها سورٌ متوسطُ الارتفاعِ ، يستطيعُ الإنسانُ أن يجلسَ على حافتهِ ، ويرى ماءَ البركةِ الذي يتدفقُ إليها بشدةٍ من النهرِ المجاور ، وهو ماءٌ صافٍ ،لا يحجبُ قرارَ البركةِ عن العينِ » .
*-نوعا الأسلوبِ العلميِّ :
أسلوبٌ علميٌّ بحتٌ، وهو الذي يُعنَى بعرضِ الحقائقَ العلميةِ دون انصرافٍ إلى جمالِ اللفظ، أو أناقةِ التعبيرِ .
أسلوبٌ علميٌّ متأدبٌ، وهو الذي يضعُ الحقائقَ العلميةَ في عبارةٍ لا تخلو من أناقةٍ في اختيارِ ألفاظِها ، وإنْ كانتْ لا تصلُ في ذلك إلى الأسلوبِ الأدبيِّ .
*-مثالُ الأسلوبِ العلميِّ البحتِ :
« الثعابينُ زواحفُ معروفةٌ ، تمتازُ باستطالةِ جسمِها وخلوِّهِ من الأطرافِ ، وهيَ كثيرُ الانتشارِ في جميع أنحاءِ المعمورةِ ، ولا تخلو منها بقعةٌ في العالم إلا نيوزيلندة ، وبعضُ الأجزاء الأخرى ».
*-مثالُ الأسلوبِ العلميِّ المتأدبِ :
__________
(1) – الإيضاح في علوم البلاغة – (ج 1 / ص 3) وكتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى – (ج 1 / ص 351)
(2) – الإيضاح في علوم البلاغة – (ج 1 / ص 3) وكتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى – (ج 1 / ص 351) وجواهر البلاغة للهاشمي – (ج 1 / ص 2)
(3) – جواهر البلاغة للهاشمي – (ج 1 / ص 3) والبلاغة الواضحة بتحقيقي – (ج 1 / ص 1)
قال الجاحظُ في كتابه الحيوان يصفُ نوعاً من الثعابينِ(1) :« زعموا أنها إذا انتصَفَ النهارُ واشتدَّ الحرُّ في رمالِ بلعنبرِ، وامتنَعتِ الأرضُ على الحافي والمنتعلِ، ورَمِض الجندبُ، غمستْ هذه الحيّةُ ذنبَها في الرَّمل، ثم انتصبَتْ كأنها رُمحٌ مركوزٌ، أو عودٌ ثابتٌ فيجيءُ الطائِرُ الصغيرُ أو الجرادةُ، فإذا رأى عوداً قائماً وكرِهَ الوُقُوعَ على الرَّملِ لشدَّة حرِّه، وقَعَ علَى رأسِ الحيَّة، على أنّها عُودٌ، فإذا وقَعَ على رأسها قبضَتْ عليهِ، فإنْ كان جرادةً أو جُعَلاً أو بَعْضَ ما لا يُشْبعها مثلُهُ، ابتلعتْهُ وبقيتْ على انتصابِها، وإنْ كان الواقعُ على رأسِها طائراً يُشبِعها مثلُه أكلتْهُ وانصرفَتْ.. » .
*-الأسلوبُ الأدبيُّ(2):
الجمالُ أبرزُ صفاتهِ، وأظهرُ مُمَيزاتهِ، ومنشَأُ جمالِه، لما فيه من خيالٍ رائعٍ، وتصويرٍ دقيقٍ، وتلَمُّسٍ لوجوه الشّبهِ البعيدةِ بينَ الأشياء، وإلباسِ المعنويِّ ثوبَ المحسوسِ، وإظهارَ المحسوسِ في صورةِ المعنويِّ.
*- أهمُّ مميزاتِ الأسلوبِ الأدبيِّ :
هدفُه إثارةُ عاطفةِ السامع أو القارئِ والتأثيُر في نفسه
يمتازُ باختيارِ الألفاظ ِوالتأثيرِ فيها
ويمتازُ بامتزاجِ الفكرةِ بالعاطفةِ
ويمتازُ بالعنايةِ بصورِ البيانِ من تشبيهٍ واستعارةٍ وكناية ٍ
ويمتازُ بالحرصِ على موسيقيةِ العبارةِ ، لتصوِّرَ الإحساسَ وتهزَّ المشاعرَ
*-نموذجٌ من الأسلوبِ الأدبيِّ :
يقول البحتريُّ واصفاً البركةَ في قصرِ الخليفة العباسيِّ المتوكلِ (3):
إذا النُّجُومُ تَرَاءَتْ في جَوَانِبِهَا لَيْلاً حَسِبْتَ سَمَاءً رُكّبتْ فيهَا
لا يَبلُغُ السّمَكُ المَحصُورُ غَايَتَهَا لِبُعْدِ ما بَيْنَ قاصِيهَا وَدَانِيهَا
يَعُمْنَ فيهَا بِأوْسَاطٍ مُجَنَّحَةٍ كالطّيرِ تَنقَضُّ في جَوٍّ خَوَافيهَا
لَهُنّ صَحْنٌ رَحِيبٌ في أسَافِلِهَا، إذا انحَطَطْنَ، وَبَهْوٌ في أعَاليهَا
صُورٌ إلى صُورَةِ الدُّلْفِينِ، يُؤنِسُها مِنْهُ انْزِوَاءٌ بِعَيْنَيْهِ يُوَازِيهَا
تَغنَى بَسَاتِينُهَا القُصْوَى بِرُؤيَتِهَا عَنِ السّحَائِبِ، مُنْحَلاًّ عَزَاليهَا
كأنّهَا، حِينَ لَجّتْ في تَدَفّقِهَا، يَدُ الخَليفَةِ لَمّا سَالَ وَادِيهَا
وَزَادَها رُتبةً مِنْ بَعْدِ رُتْبَتِهَا، أنّ اسْمَهُ حِيْنَ يُدْعَى من أسامِيهَا
مَحْفُوفَةٌ بِرِياضٍ، لا تَزَالُ تَرَى رِيشَ الطّوَاوِيسِ تَحكِيهِ وَتحكيهَا
وَدَكّتَينِ كَمِثْلِ الشِّعرَيَينِ غَدَتْ إحداهُمَا بإزَا الأخرَى تُسَامِيهَا
إذا مَسَاعي أمِيرِ المُؤمِنِينَ بَدَتْ للوَاصِفِينَ، فَلا وَصْفٌ يُدانِيهَا
مثالٌ آخرُ على الأسلوبِ الأدبيِّ، قالَ أميرُ الشعراء أحمدُ شوقي- رحمه الله – في نهجِ البردةِ (4):
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ
يا نَفسُ دُنياكِ تُخفى كُلَّ مُبكِيَةٍ وَإِن بَدا لَكِ مِنها حُسنُ مُبتَسَمِ
صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ
وَالنَفسُ مِن خَيرِها في خَيرِ عافِيَةٍ وَالنَفسُ مِن شَرِّها في مَرتَعٍ وَخِمِ
تَطغى إِذا مُكِّنَت مِن لَذَّةٍ وَهَوًى طَغيَ الجِيادِ إِذا عَضَّت عَلى الشُكُمِ
إِن جَلَّ ذَنبي عَنِ الغُفرانِ لي أَمَلٌ في اللَهِ يَجعَلُني في خَيرِ مُعتَصِمِ
أَلقى رَجائي إِذا عَزَّ المُجيرُ عَلى مُفَرِّجِ الكَرَبِ في الدارَينِ وَالغَمَمِ
إِذا خَفَضتُ جَناحَ الذُلِّ أَسأَلُهُ عِزَّ الشَفاعَةِ لَم أَسأَل سِوى أُمَمِ
وَإِن تَقَدَّمَ ذو تَقوى بِصالِحَةٍ قَدَّمتُ بَينَ يَدَيهِ عَبرَةَ النَدَمِ
*- الأسلوبُ الخطابيُّ:
هنا تَبْرُزُ قوةُ المعاني والألفاظِ، وقوةُ الحجَّةِ والبرهانِ، وقوة ُالعقلِ الخصيبِ، وهنا يتحدثُ الخطيبُ إلى إرادةِ سامعيهِ، لإثارةِ عزائمهِم واستنهاضِ هممهِم، ولجمالِ هذا الأُسلوبِ ووضوحهِ شأْنٌ كبيرٌ في تأْثيره ِووصولهِ إلى قرارةِ النفوسِ، ومما يزيدُ في تأْثير هذا الأُسلوبِ منزلةُ الخطيبِ في نفوسِ سامعيهِ، وقوةُ عارضتِه، وسطوعُ حجَّتهِ، ونبَراتُ صوتهِ، وحسنُ إِلقائهِ، ومُحْكَم ُإِشارتهِ.
*-أهمُّ مميزاتِ الأسلوبِ الخطابيِّ:
1-من أظهرِ مميزاتِ هذا الأُسلوبِ التكرارُ، واستعمالُ المترادفاتِ، وضربُ الأمثالِ
2- اختيارُ الكلماتِ الجزلةِ ، ذاتِ الرنينِ
3- تعاقبُ ضروبِ التعبيرِ ، من إِخبارٍ إلى استفهامٍ إلى تعجبٍ إلى استنكارِ
4- مواطنُ الوقفِ فيه قويةٌ شافيةٌ للنفسِ، واضحةً قَوِيّةً.
__________
(1) – الحيوان – (ج 1 / ص 327)
(2) – جواهر البلاغة للهاشمي – (ج 1 / ص 3) والبلاغة الواضحة بتحقيقي – (ج 1 / ص 1)
(3) – زهر الآداب وثمر الألباب – (ج 1 / ص 75) ونهاية الأرب في فنون الأدب – (ج 1 / ص 79) والمستطرف في كل فن مستظرف – (ج 1 / ص 433) والأغاني – (ج 4 / ص 82) و تراجم شعراء موقع أدب – (ج 39 / ص 110)
(4) – انظر ديوانه
مثال على الأسلوبِ الخطابيٍّ: خطبةُ أبي بكر ٍ رضي الله عنه لمَّا بويع بالخلافة ِ بعدَ أنْ حَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِاَلّذِي هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ:(1)« أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي ؛ وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي ؛ الصّدْقُ أَمَانَةٌ وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ وَالضّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيّ عِنْدِي حَتّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقّهُ إنْ شَاءَ اللّهُ وَالْقَوِيّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتّى آخُذَ الْحَقّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللّهُ، لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ إلّا ضَرَبَهُمْ اللّهُ بِالذّلّ ،وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ إلّا عَمّهُمْ اللّهُ بِالْبَلَاءِ ،أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت اللّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ . قُومُوا إلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمُكُمْ اللّهُ » .
الأسئلةُ :
وضِّح مفهومَ الأسلوبِ
بينْ أنواعَ الأسلوبِ
عددْ أهمَّ خصائصِ الأسلوبِ العلميِّ
عددْ أهمَّ ميزاتِ الأسلوبِ الأدبيِّ
عدد أهمَّ خصائص الأسلوبِ الخطابيِّ